بقلم ا.د عبدالخالق طواف

مفاهيمبحثيةتحتاج_توضيح

مقدمة عامة عن البحث العلمي:
البحث العلمي هو عملية منهجية تهدف إلى اكتشاف حقائق جديدة أو التحقق من فرضيات أو استنتاجات قائمة من خلال جمع وتحليل البيانات بشكل موضوعي. وتقوم فلسفة هذه العملية على معرفة الحقائق واكتشاف المعرفة، بالإضافة إلى المبادئ الأساسية التي توجه كيفية إجراء البحث وتفسير نتائجه.

1. فلسفة البحث العلمي:
   فلسفة البحث العلمي تتعامل مع الأسئلة الأساسية حول ماهية المعرفة وكيفية اكتسابها. إنها تهتم بالقيم والمبادئ التي تحدد حدود ما يمكن معرفته وكيفية معرفته. في هذا السياق، يمكن تلخيص أهم جوانب الفلسفة العلمية في النقاط التالية:

• الموضوعية: من المبادئ الأساسية للبحث العلمي أن يكون البحث موضوعيا، أي يجب أن يعتمد على الأدلة والبيانات القابلة للتحقق والتكرار، بدلاً من الآراء الشخصية أو الانحيازات، وإذا لم يتصف البحث بالموضوعية فلا يمكن وصفه بالبحث العلمي.
• التجريبية: البحث العلمي يعتمد على التجربة والملاحظة كوسيلة رئيسة لفهم الظواهر. تجريبية المعرفة تعني أن المعرفة تأتي من التجربة الحسية أو البيانات التي يمكن ملاحظتها وقياسها، وبعد إجراء التجارب يمكن التوصل إلى معرفة جديدة لم تكن متوفرة قبل التجربة.
• التفسير والتعميم: الهدف من البحث العلمي ليس فقط جمع البيانات، بل أيضا تفسير هذه البيانات وتعميم النتائج على حالات أو سياقات أخرى، وهكذا تظهر قاعدة معرفية يستفيد منها الإنسان بغرض النظر عن ديانته أو مكانه أو زمانه.
• التكرار: يجب أن تكون نتائج البحث قابلة للتكرار، أي إذا قام باحث آخر باستخدام نفس المنهجية، يجب أن يصل إلى نفس النتائج (مفهوم “القابلية للتكرار”).
• النقدية: يجب أن يكون البحث العلمي خاليا من التحيزات والمعتقدات المسبقة. يعتمد البحث العلمي على تقييم الأدلة والنتائج بشكل نقدي ومجرد بعيدا عن الاحكام المسبقة والعواطف والأهواء.

1. تطور البحث العلمي ومناهجه:
   البحث العلمي شهد تطورا كبيرا على مر العصور، بدءا من العصور القديمة حتى العصر الحديث. هذا التطور يمكن تلخيصه عبر المراحل التالية:

أ. العصور القديمة والوسطى:

• في العصور القديمة، كان العلم مرتبطا بالفلسفة والدين. كانت المعرفة تكتسب من خلال التأمل العقلي والاستنتاجات الفلسفية. في هذه الفترة، كان البحث العلمي يقتصر على الفلسفة الطبيعية، وكان الفلاسفة مثل أرسطو يطرحون أفكارا حول الطبيعة والمجتمع فقط.
• في العصور الوسطى، تأثرت العلوم بالفكر الديني. لكن مع بداية النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر، بدأ هناك اهتمام متزايد بالملاحظة والتجربة.

ب. العصر الحديث (العصر العلمي)
مع القرن السابع عشر، شهدت أوروبا ثورة علمية حقيقية، حيث بدأ العلماء في تطبيق منهجية علمية أكثر دقة تعتمد على التجربة والملاحظة. أشهر العلماء في هذه الفترة مثل غاليليو ونيوتن وضعوا أسس المنهج العلمي الحديث.

• المنهج الاستقرائي: في هذه الفترة، بدأ العلماء في جمع البيانات والملاحظات التي تساعد في بناء قوانين عامة. والمنهج الاستقرائي يعتمد على ملاحظة الظواهر، من ثم بناء فرضيات واستخلاص قوانين عامة.
• المنهج التجريبي: اعتمد العلماء على التجربة كأداة أساسية لاختبار الفرضيات. على سبيل المثال، طور (فرانسيس بيكون) منهجية البحث العلمي التجريبي التي تعتمد على جمع البيانات من التجارب العملية.

ج. القرن التاسع عشر والعشرين:

• في القرن التاسع عشر، تطور البحث العلمي بشكل كبير مع اكتشافات مثل نظرية التطور التي قدمها تشارلز داروين، واكتشاف الكهرباء والمغناطيسية التي قام بها علماء مثل ماكسويل وفاراداي.
• في هذا العصر، ظهرت أيضا المنهجيات الكمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل الإحصاء وتحليل البيانات الكمية.
• في القرن العشرين، ظهر المنهج الكمي بشكل كبير في العلوم الطبيعية والاجتماعية. تطورت التقنيات الحديثة مثل الاستبيانات والتحليل الإحصائي لقياس الظواهر بشكل دقيق.

د. القرن الواحد والعشرون:

• في العصر الحالي، أصبح البحث العلمي أكثر تخصصا وتعددا في المناهج. تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة (Big Data) والتعلم الآلي بدأت تؤثر بشكل كبير على كيفية إجراء البحوث وتحليل النتائج.
• المنهجية المختلطة: في العصر الحديث، بدأ العديد من الباحثين في استخدام منهجيات مختلطة تجمع بين الأدوات الكمية والنوعية. على سبيل المثال، يتم استخدام الاستبيانات (أداة كمية) جنبا إلى جنب مع المقابلات المعمقة (أداة نوعية) لتقديم صورة شاملة للظاهرة المدروسة.

1. أنواع مناهج البحث العلمي
   تتعدد مناهج البحث العلمي حسب التوجهات الفلسفية والمجالات العلمية، ومن أهم هذه المناهج:

• البحث الكمي: يعتمد على جمع البيانات الرقمية وتحليلها باستخدام الأدوات الإحصائية. يهدف إلى التوصل إلى نتائج قابلة للتعميم، وكل الأبحاث التي يتم استخدام استبانة ويتم تحليلها في برامج احصائية بعد ترميزها تعد ضمن المنهج الكمي.
• البحث النوعي أوالوصفي: يركز على فهم الظواهر من خلال التفاعل مع الأشخاص أو الوثائق. يعتمد على أساليب مثل المقابلات المفتوحة والملاحظة، ويتم وصف النتائج بشكل شخصي قائم على الفهم والملاحظة الشخصية وقد تختلف بعض نتائجه من شخص لآخر.
• البحث التجريبي: يعتمد على إجراء تجارب في بيئات محكومة لاختبار فرضيات علمية، وعندما تحدث تجربة تجد قياس قبل وقياس بعد التجربة أو تجد مجموعة يتم التجريب عليها مقابل مجموعة أخرى يتم مراقبة هل يمكن ان تظهر عليها نفس نتائج المجموعة الاصلية.
• البحث الاستكشافي: يهدف إلى استكشاف موضوع جديد أو غير مدروس بشكل كاف، وغالبا ما يستخدم في بداية الدراسات في مجالات جديدة.
• البحث التطبيقي: يهدف إلى حل مشاكل عملية وتطبيق نتائج البحث في الحياة اليومية، وقد يكون نموذج علمي جديد أو غير مطبق أو علاج أو أسلوب جديد.
• البحث الأساسي: يهدف إلى توسيع المعرفة العلمية بشكل عام دون التركيز على تطبيقات عملية فورية.

بالنسبة للعلوم الإدارية يتم استخدام بحث وصفي بحيث يصف متغيرات البحث وكتابة جزء نظري يوضح ما تم بحثه سابقا واظهار جميع جوانب وتميز الأبحاث السابقة ثم يتم استخدام استبانة ومنهج كمي لتحليلها بواسطة الإحصاء والبرامج الرياضية المختلفة.

4. التحديات المستقبلية في البحث العلمي:

• التقنيات الحديثة: مثل الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، والبيانات الضخمة، التي ستغير كيفية إجراء البحوث وتحليل البيانات.
• الاستدامة: هناك اهتمام متزايد في البحث حول قضايا الاستدامة البيئية والاجتماعية.
• البحث متعدد التخصصات: تزايد الاعتماد على التعاون بين مختلف التخصصات في حل المشكلات المعقدة.
• أخلاقيات البحث: يتزايد الاهتمام بمسائل الأخلاقيات في البحث العلمي، مثل حماية حقوق المشاركين في البحث وضمان نزاهة البحث.

4. الخلاصة:
   فلسفة البحث العلمي تشدد على أهمية الموضوعية، التجريبية، النقدية، والتفسيرية. تطور البحث العلمي على مر العصور من الفلسفات العقلية إلى منهجيات تجريبية دقيقة، وصولاً إلى البحث المتعدد التخصصات واستخدام التقنيات الحديثة. ومع استمرار تطور الأدوات والأساليب، يبقى البحث العلمي حجر الزاوية لفهم العالم من حولنا وحل مشكلاته.