كتابات الصحافة الاستقصائية.. الفجوة بين الجامعة والميدان

أصيل سارية

لايزال تدريس الصحافة الاستقصائية في اليمن في بداياته الأولى، لكن المعضلة الحقيقية تتمثل في الفجوة الحاصلة بين التدريس النظري والميدان، يقول الصحفيون إن الدورات التدريبية القصيرة كانت أكثر فائدة من أربع سنوات من التعلم في الجامعة.

يقول جوليان أسانج إن “الصحافة الاسـ تقصائية استـ هي عادة الواقع من المتنفذين الأقوياء”.

بدأت الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي على استحياء ولا زالت تنمو وتتطور على استحياء، لكن ليس في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة أو أزمات سياسية منذ سنوات طويلة.

في ظل ذلك اقتصرت الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي على عدد محدود من الصحفيين في بداية التسعينات مستفيدين من قدرات اكتسبوها بعد تجارب عاشوها في وسائل إعلام دولية بدأ فيها إنتاج التحقيقات الاستقصائية منذ زمن بعيد، ولعل برنامج “سري للغاية ” للإعلامي يسري فودة على قناة الجزيرة كان اللبنة

الأساسية لتأسيس وحدات صحفية استقصائية في بعض وسائل الإعلام العربية. لقد قدم البرنامج محتوى وأسلوبا إعلاميا ليس فقط للمشاهد بل حتى للصحفيين العرب الذين تعلموا من البرنامج طريقة جديدة ينطلقون منها.

البداية في جامعة صنعاء

باعتبار أن مفهوم الصحافة الاستقصائية حديث على الإعلام العربي، كان لابد له أن يكون حديثا على الساحة الأكاديمية في الجامعات العربية لا سيما جامعة صنعاء التي لا تزال مناهجها الأكاديمية قديمة نوعا ما ومن بينها كلية الإعلام. حتى العام 2013 لم تكن هناك مساقات أكاديمية خاصة بالصحافة الاستقصائية في الجامعة. وبفضل اتفاق مع شبكة “أريج” أضيف مساق لكن دون أي دراسة لواقع الأكاديميين في الجامعة والكلية ودون تجربة ميدانية حقيقية للمدرسين الذين قرروا تدريس المنهج وفقا لقدرات المدرسين هناك وإنما اعتمدت كتاب “أريج” على درب الحقيقة” ليكون منهج المادة، علما أنه دليل تدريبي أكثر منه أكاديمي. يقول أبوبكر الباحث في مجال الصحافة الاستقصائية في أمريكا إن “هناك صدع كبير بين صانع المادة الصحفية الاستقصائية العمودي وبين مستهلكها، من جهة ومن جهة ثانية، عدم الدراية

بيع عدم الفهم ـض الجامعات العربية الكــ ثير من المسـ تجوبين على استبيان البحث أظهروا الشامل لمفهوم الصحافة الاستقصائية، ولعل ما أدهشني حقيقة هو أنه وعندما نستعيض بمفردة (استقصاء) لنستبدلها بمفردة (تحقيق) يبدي الطالب إجابات أكثر دقة وثبات.

حافة الكافية لدى مخرجات كليات الصحافة والإعلام في الوطن العربي بأبجديات الصـ الاستقصائية. قد يمتـ عض البعض من هذه الملاحظة لكنها نابعة من نتيجة خالفت التوقعات عندما استطلعت في أحد أبحاثي تصورات ممارسي الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي والدراسة المسحية التي قاست عينة من طلبة كليات الصحافة والإعلام في أمس الحاج ـة للالتـ حاق بدورات تدريبية تعزز لديه أوجــه القصور التي خلفتها الأربع السنوات التي قضاهـا فـي الجامعة لأنه لم يمارس الصحافة في الميدان، ولطغيان الجانب النظري في التدريس. وأخيرا، عندما يلتحق بدورة تدريبية فهو قد أصبح بين يدي مدرب مارس الصحافة في الميدان ناهيك عن خبراته التدريبية.

ويضيف العمودي “أصبح طالب الصحافة في أمس الحاجة للالتحاق بدورات تدريبية تعزز لديه أوجه القصور التي خلفتها الأربع السنوات التي قضاها في الجامعة لأنه لم يمارس الصحافة في الميدان ولطغيان الجانب النظري في التدريس.

منهج جاهز

منذ عدة سنوات بدأت كليات الإعلام في الجامعات اليمنية لا سيما في صنعاء – عدن بإضافة مادة جديد إلى مناهجها التعليمية، وهي مادة صحافة الاستقصاء، وكغيرها من المواد التي يتم تدريسها في كليات الإعلام في الجامعات اليمنية التي لم تأت بناء على احتياجات المدرسين وقدراتهم ما انعكس سلبا على ما يتلقاه الطلاب هناك حيث اتجه مدرسو المادة إلى الاعتماد على دليل “أريج” الجاهز الصادر سنة 2009.

محمد جهلان، الصح في الاستقصائي والمدير التنفيذي للشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية “يمان” يقول “إن طبيعة الصحافة الاستقصائية مختلفة عن بقية القوالب الأخرى، فالصحفي الاستقصائي يعمل في الميدان أكثر من أي صحفي آخر ويعيش تجارب متعددة لا تخلو من الخطورة لذلك فإنه في الكلية لا يقوم بالتطبيق الفعلي كما في

التدريب، كما أن المدرسين في الجامعات ليسوا ممارسين للصحافة بالمعنى الحرفي وهذا ما تحتاجه الصحافة الاستقصائية وهي الممارسة أولا ليكون تأثيره كبيرا على المتدربين”.

ــة خلال السنوات الثلاث الماضية ساهمت العديد من المنظمات المحلية والدولية في تدريب عدد كبير من الصحفيين اليمنيين في الصحاف الاستقصائية وأساسياتها، من بينها شبكة “أريج” والشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية يمان ومؤسس ة فريدريش الألمانية عبر مكتبها في اليمن والتي دربت أكثر من 250 صحفي وصحفية من مختلف جغرافيا ،اليمن، وساهم أولئك الصحفيون في إنتاج الكثير من التحقيقات الاستقصائية التي نشرت مؤخرا في وسائل إعلام محلية أو عربية ودولية. ومن بين هؤلاء الصحفي عبد القادر عثمان الذي أنتج تحقيقات مع مؤسسة الثورة المحلية في صنعاء ودرج والعربي.

يقول عثمان: “في التدريب المادة مضغوطة ومختصرة تتضمن تجارب عملية وتحفيزا ومدربين يمارسون العمل في الميدان، بينما في الجامعة هناك فجوة بين النظري والميدان، وهناك نوع من الرتابة بسبب الوقت الفاصل بين الحصص ” قبل أن يضيف: “الفارق الجوهري بين المدرب والأكاديمي في آلية تقديمه للمادة وكمية المعلومات وكيفية عرضها، فالأكاديمي

رغم غزارة معرفته وسعة معلوماته إلا أن الأساليب المتبعة لديه لاتزال تعتمد على نظرية الطلقة السحرية بين المرسل والمستقبل، وهذا لم يعد كافيا لإيصال المعلومة بالطريقة المثلى، أما المدرب فيستند في التدريب إلى الحلقات النقاشية والممارسة العملية داخل القاعة بحيث يعزز كل مرحلة من مراحل العرض بنقاش وتمرين يخلق تبادلا معرفيا لدى المتلقين ويزيدهم مهارة.

الخبرة الميدانية مقابل الروتينن الأكاديمية

الأدلة يجب أن يتحلى الصحفي الاستقصائي بمهارات كثيرة فالعمل الميداني وجمع مهارة يجب أن يتقنها الصحفي الذي يريد أن ينتج تحقيقات استقصائية لا سيما في بلد يشهد نزاعا مسلحا منذ سبع سنوات. يقول الصحفي والمعيد في جامعة عدن، نشوان العثماني والذي قام بتدريس المادة لفترة قصيرة إنه قدم النصح للكلية بأن مدرس مادة الصحافة الاستقصائية لابد أن يكون ممارسا لها وقام بإنتاج تحقيقات متعددة لأن دليل “أريج” وغيرها يستطيع أي شخص تقديمه نظريا، لكن الممارس للصحافة الاستقصائية سيكون أكثر حيوية من الأكاديمي وسوف يساعد الطلاب على اختيار الأفكار والفرضيات وتقديم النصح لهم ومتى يتقدمون أكثر ومتى

يتوقفون أكثر ومتى يغيرون الأفكار وهو ما سيقدمه لهم الممارس فقط.

,,

في التدريب المادة مضغوطة ومختصرة تتضمن تجارب عملية وتحفيزا ومدربين يمارسون العمل في الميدان، بينما في الجامعة هناك فجوة بين النظري والميدان.

يعرف التعليم على أنه ما يُدرّس في المدارس والجامعات والدراسات العليا، حيث يتم نقل المعرفة حول حقائق الأمور والمفاهيم والأحداث من المعلمين للطلاب، ليمنح الطلاب في النهاية القدرة على حل المشكلات، ومن ناحية أخرى فإن التدريب هو القيام بممارسة مهمة معينة والتركيز عليها حتى يتم إتقانها، كما يتعلق التدريب بالجوانب العملية للمهمة أو الوظيفة.

يعتبر المدرب والخبير الإعلامي نشوان السميري أن كثيرا من الأكاديميين وليس جميعهم – يأخذون المراجع الجاهزة وهذا ما يتماشى مع المحتوى العام وأهداف التعليم التي تلائم حاجة الفرد والمجتمع بصورة عامة، في حين أن محتوى التدريب محدد ولديه أهداف سلوكية محددة تجعل العاملين أكثر كفاءة وفاعلية في وظائفهم، عبر إكسابهم المعلومات والمهارات معا وليس المعارف والمعلومات فقط.

ويرى السميري أن الأمر يتعلق أيضا بضعف قدرات بعض الأكاديميين في تطوير أنفسهم وموادهم الدراسية لتواكب الجديد واحتياجات سوق العمل وهي مشكلة المصادر الجامعية نفسها في تأهيل الصحفيين في كثير من البلدان كما أن بعضهم لم يعمل بشكل كاف في المهنة حتى يلامس تعليمه فهم الطلاب ومداركهم”.

نشرت في العدد ٢٨ السنة الثامنة شاء ٢٠٢٣ مجلة الصحافة التابع لقناة الجزيرة

اترك رد