كتابات : القائد الملهم وانتفاضة يمنية تلبيةً لدعوته

منصور الصلوي

عندما يكون القائد صاحبَ رؤيةٍ وبصيرة، ومتجذرًا في دينه وقيمه، فإن كلمته لا تكون مجرد خطابٍ عابر، بل تتحول إلى موقفٍ حيٍّ، وحركةٍ واعية، ونهضةٍ شعبية تعبّر عن هوية الأمة وكرامتها. هكذا كان بيان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي لم يأتِ بوصفه ردَّ فعلٍ آني، بل موقفًا إيمانيًا مسؤولًا، استنهض الوجدان، وحرّك الضمير، ووحّد الموقف في مواجهة إساءةٍ سافرةٍ للقرآن الكريم.
لقد شكّل البيان الصادر عن السيد القائد حول إساءة مرشح أمريكي للقرآن الكريم محطةً مفصلية، كشفت من جديد حقيقة العداء الصهيوني-الأمريكي للإسلام والمسلمين، وأكدت أن الحرب على الأمة ليست عسكرية فقط، بل فكرية وثقافية وإعلامية، تستهدف أعظم مقدساتها، وفي مقدمتها كتاب الله العزيز، الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.
وانطلاقًا من هذا الوعي، وضع السيد القائد هذه الجريمة في سياقها الحقيقي، باعتبارها امتدادًا للحرب اليهودية الصهيونية الشاملة، التي تقودها أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، بأدوات متعددة وأساليب مختلفة، هدفها النيل من هوية الأمة، وإبعادها عن قرآنها، تمهيدًا لإخضاعها واستباحة دمائها وأرضها ومقدساتها. ولم يكن البيان مجرد إدانة، بل كشفًا صريحًا لطبيعة المشروع المعادي، وفضحًا لدور الأنظمة العميلة وأبواق النفاق التي تسعى لتبرير الجرائم، أو تشويه كل موقفٍ حرٍّ وصادقٍ في مواجهة الطغيان.
وفي مقابل هذا العدوان السافر، حمّل السيد القائد الأمة الإسلامية، حكوماتٍ وشعوبًا، نخبًا وجماهير، مسؤوليةً دينية وأخلاقية وإنسانية، مؤكدًا أن الصمت والتخاذل يمثلان تفريطًا عظيمًا، وأن أمة الملياري مسلم قادرة – لو امتلكت الإرادة – على إحداث فارق حقيقي في معادلة الصراع، سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا وشعبيًا.
وقد جاءت استجابة الشعب اليمني معبّرة عن عمق الانتماء الإيماني، وصدق الارتباط بالقرآن الكريم، حيث شهدت مختلف المحافظات تنظيم مئات الوقفات المنددة والمستنكرة لهذه الإساءة، في الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية، وفي المرافق الحكومية والقطاعات المختلفة، تلبيةً مباشرةً لدعوة السيد القائد. وقفات جسدت وعيًا جمعيًا بأن الدفاع عن القرآن ليس شعارًا، بل موقفًا عمليًا، وأن الهوية الإيمانية لا تُصان إلا بالحضور الفاعل والتحرك المسؤول.
كما مثّلت هذه الفعاليات رسالة واضحة للعالم بأن الشعب اليمني، رغم ما يتعرض له من عدوان وحصار، لا يزال حيًّا بقيمه، ثابتًا على مبادئه، حاضرًا في معركة الوعي، ورافضًا لكل أشكال الاستباحة الفكرية والثقافية. وقد توّجت هذه التحركات الشعبية بالاستعداد لمظاهرات جماهيرية كبرى، تؤكد أن اليمن، يمن الإيمان والحكمة، لن يقف موقف المتفرج أمام الإساءات المتكررة، ولن يساوم على مقدساته.
إن ما ميّز هذه الانتفاضة الشعبية هو أنها لم تنطلق من ردود فعل عاطفية، بل من وعيٍ قرآني، وبصيرةٍ قيادية، ربطت بين الإساءة للقرآن، والجرائم المرتكبة في فلسطين، ومشاريع الهيمنة التي تستهدف المنطقة بأكملها تحت عناوين خادعة، كـ«تغيير الشرق الأوسط». وهو ربط أعاد توجيه البوصلة، وحدد العدو الحقيقي، وأسقط محاولات التضليل والتزييف.
وفي الختام، يؤكد هذا المشهد أن القائد الملهم، حين يكون صادق الانتماء، واضح الرؤية، متسلحًا بالإيمان، قادر على تحويل التحديات إلى فرص للنهضة، والاستفزاز إلى وعي، والبيان إلى فعل. كما يبرهن أن الشعوب الحية، إذا وجدت القيادة الصادقة، فإنها تتحرك دفاعًا عن دينها وكرامتها، وتثبت أن القرآن الكريم سيبقى في قلوب المؤمنين، حصنًا منيعًا، وراية هدى، مهما تكالبت قوى الكفر والطغيان.

اترك رد