كتابات : لماذا غابت الجامعات اليمنية عن تصنيف QS؟ قراءة تحليلية في الواقع والتحديات والحلول

بقلم م منصور الصلوي

مقدمة:

يضم التعليم الجامعي في اليمن أكثر من 90 جامعة ومؤسسة أكاديمية، منها نحو 18 جامعة حكومية تتوزع على مختلف المحافظات، وقرابة 72 جامعة وكلية أهلية وخاصة تقدم برامج في العلوم الطبية والهندسية والإنسانية والإدارية.
ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، لا تزال الجامعات اليمنية تمتلك إمكانات بشرية واعدة تتمثل في كفاءات أكاديمية مؤهلة، وتجارب علمية متراكمة، وبنية مؤسسية قائمة قادرة على التطوير إذا ما توفر الدعم والتخطيط الاستراتيجي.
غير أن هذه الإمكانات لم تنعكس بعد في التصنيفات العالمية مثل QS، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أسباب هذا الغياب، والطرق الممكنة لاستعادة المكانة الأكاديمية المستحقة لليمن في الخارطة العلمية الإقليمية والدولية.

الجامعات اليمنية بين الإمكانات والتحديات

في الوقت الذي تتنافس فيه الجامعات الإقليمية والدولية لتثبيت حضورها في التصنيفات الأكاديمية العالمية مثل تصنيف QS World University Rankings، ما تزال الجامعات اليمنية غائبة عن المشهد، رغم ما تمتلكه من كوادر بشرية متميزة وتجارب أكاديمية عريقة. وللإجابة عن سؤال: لماذا غابت الجامعات اليمنية رغم امتلاكها الإمكانيات؟، لا بد من تحليل الواقع بموضوعية، ثم طرح حلول عملية قابلة للتنفيذ.

أولاً: الأسباب الرئيسة لغياب الجامعات اليمنية

  • 1. ضعف الإنتاج البحثي والاستشهادات العلمية:
    تصنيف QS يعتمد بدرجة كبيرة على حجم ونوعية الأبحاث المنشورة في مجلات مفهرسة عالمياً مثل Scopus وWeb of Science. ومع الأسف، ما تزال الأبحاث الصادرة عن الجامعات اليمنية محدودة من حيث الكم والجودة، وغالباً تُنشر في مجلات محلية غير مفهرسة، مما يحرمها من الظهور في قواعد البيانات الدولية. او قد تكون هناك بحوث تم نشرها في مجلات خارجية ولم يتم موافاة جهات التصنيف بها.
  • 2. غياب التمويل وضعف البنية التحتية للبحث العلمي:
    تُعد محدودية التمويل أحد أبرز العوائق أمام تطوير منظومة البحث العلمي. فغياب الموارد المالية وتضرر المختبرات وضعف المكتبات الإلكترونية أثرت سلباً على الإنتاج البحثي.
  • 3. هجرة الكفاءات وضعف التطوير المهني:
    تعاني الجامعات اليمنية من نزيف في الكفاءات الأكاديمية نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى فقدان الخبرات التي كان يمكن أن تسهم في بناء سمعة علمية وبحثية قوية.
  • 4. ضعف السمعة الأكاديمية والعلاقات الدولية:
    يولي تصنيف QS أهمية كبيرة للسمعة الأكاديمية وسمعة أصحاب العمل. وبما أن الجامعات اليمنية محدودة الانتشار في المحافل الدولية، فإن سمعتها تبقى ضعيفة في استطلاعات الرأي العالمية.
  • 5. غياب فرق متخصصة بإدارة البيانات الأكاديمية:
    الكثير من الجامعات اليمنية لا تمتلك وحدات مختصة بجمع وتحليل البيانات الأكاديمية، ما يجعلها غير قادرة على تزويد الجهات العالمية بالمعلومات المطلوبة للمشاركة في التصنيفات.وان وجدت فهي لا تقوم بما يتوجب فعله
  • 6. محدودية النشر باللغة الإنجليزية:
    نسبة كبيرة من الأبحاث تُنشر بالعربية، بينما تعتمد التصنيفات العالمية على الإنتاج المنشور بالإنجليزية، ما يقلل من فرص الاستشهاد بها ويضعف الحضور الدولي للباحثين اليمنيين.

ثانياً: حلول عملية للنهوض بالجامعات اليمنية نحو التصنيفات العالمية

  • 1. تأسيس وحدات خاصة بالتصنيفات الدولية داخل الجامعات:
    إنشاء مكاتب بيانات وتصنيف جامعي (Ranking Office) تُعنى بجمع وتحليل المؤشرات والتواصل مع هيئات التصنيف العالمية.
  • 2. تحفيز البحث العلمي والنشر في مجلات عالمية:
    تبني برامج تمويل صغيرة للمشاريع البحثية القابلة للنشر في مجلات مفهرسة، مع تقديم حوافز مالية ومعنوية للباحثين.
  • 3. بناء شراكات أكاديمية إقليمية ودولية:
    التعاون مع جامعات ومراكز بحثية خارجية يعزز السمعة الأكاديمية ويسهم في إدخال الجامعات اليمنية إلى الشبكات البحثية العالمية.
  • 4. الاستثمار في السمعة الأكاديمية عبر الإعلام العلمي:
    يمكن للجامعات تعزيز حضورها من خلال منصات مثل (منصة يمن أكاديميك) لإبراز إنجازاتها ونشر أخبارها باللغتين العربية والإنجليزية.
  • 5. تطوير نظم الجودة والاعتماد الأكاديمي:
    الحصول على اعتماد أكاديمي محلي ودولي لمخرجات البرامج التعليمية يُعد مؤشراً مهماً في التصنيفات العالمية.
  • 6. جذب الكفاءات وتحفيز العقول الوطنية في الخارج:
    إطلاق برامج تعاون مع الأكاديميين اليمنيين في المهجر لإشراكهم في المشاريع البحثية أو الإشراف المشترك على رسائل الدراسات العليا.

ثالثاً: الرؤية المستقبلية

  • الظهور في تصنيف QS ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو نتيجة طبيعية لمنظومة أكاديمية قوية، وبحث علمي مستدام، وإدارة جامعية واعية بمعايير التميز العالمي. إذا توحدت الجهود بين الجامعات والجهات الحكومية، وتم الاستثمار في البحث العلمي والإعلام الأكاديمي، فإن الجامعات اليمنية قادرة خلال سنوات قليلة على تحقيق حضور مشرّف في التصنيفات الدولية.

ختاماً

  • إن غياب الجامعات اليمنية عن تصنيف QS لا يعني غياب الكفاءة أو الإمكانات، بل هو نتيجة تراكمية لظروف معروفة وإهمال بعض التفاصيل الجوهرية. لكن الطريق نحو التصنيف ليس بعيداً، فبناء قاعدة بيانات دقيقة، وتبني استراتيجية وطنية للبحث العلمي، والانفتاح على التعاون الدولي، كفيل بأن يجعل الجامعات اليمنية حاضرة بقوة في التصنيفات القادمة.

اترك رد