كتابات : الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة

بقلم
د/ مجاهد الجبر
استاذ الذكاء الاصطناعي المشارك
رئيس الجامعة التخصصية الحديثة

🔷 المقدمة
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “Nature” العلمية
المرموقة أن الذكاء الاصطناعي قادر على دعم وتحقيق
“79%” من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)التي حددتها الأمم
المتحدة لعام 2030. تتمثل هذه المساهمة في تحسين التخطيط
الاستراتيجي، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، وتسهيل
الانتقال نحو الاقتصاد الدائري الذي يُقلل الهدر ويعيد تدوير
الموارد بكفاءة. لكن هذه الإمكانات الهائلة لا تخلو من تحديات
أخلاقية وتقنية تفرض حوارًا عالميًا لضمان توظيف هذه التقنية
لصالح البشرية جمعاء.

🔷 تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحقيق الاستدامة

1. تحسين البنية التحتية الحضرية
   • إدارة حركة المرور الذكية: تُستخدم خوارزميات الذكاء
     الاصطناعي للتنبؤ بالاختناقات المرورية وتحليل أنماط التنقل في
     الوقت الفعلي، مما يسمح بتوجيه السائقين إلى مسارات بديلة
     تقلل الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى “20%” في بعض
     المدن. على سبيل المثال، أنظمة مثل “Google Maps”
     تستخدم بيانات المرور لتحسين تدفق السيارات وتقليل وقت
     الانتظار، مما يدعم الهدف الـ11 من أهداف التنمية المستدامة
     (مدن ومجتمعات مستدامة).

• المدن الذكية: تُدمج تقنيات مثل “إنترنت الأشياء” (IoT)مع الذكاء
  الاصطناعي لمراقبة استهلاك الطاقة والمياه، وإدارة النفايات
  بشكل ذكي، مما يعزز كفاءة الموارد، وتقليص النفقات والموازنات
  للمجتمعات والدول.

1. تعزيز الطاقة المتجددة
   • التنبؤ بإنتاج الطاقة: تحلل أنظمة الذكاء الاصطناعي البيانات
     المناخية وأداء توربينات الرياح والمحطات الهيدروليكية للتنبؤ
     بالإنتاج اليومي، مما يقلل الأعطال بنسبة “30%” ويحسن
     تكامل الطاقة الخضراء في الشبكات الكهربائية.

• الصيانة الوقائية: تُستخدم تقنيات التعلم الآلي لاكتشاف الأعطال
  في مراحل مبكرة، كما في مشاريع شركة “General Electric”
  التي تعتمد على تحليل الاهتزازات والصوتيات في التوربينات.

1. الثورة الزراعية الرقمية
   • الزراعة الدقيقة: تعتمد على مستشعرات ذكية لقياس رطوبة التربة
     ودرجات الحرارة، مما يُحسّن كفاءة الري والتسميد ويقلل الهدر
     بنسبة “40%”.

• مكافحة الآفات: تُستخدم الطائرات دون طيار (الدرونز) مجهزة
  بكاميرات طيفية لرصد الأمراض النباتية مبكرًا، كما في مشاريع
  “IBM Watson” التي تحلل الصور لتحديد مناطق الإصابة بدق

1. الثورة الصناعة الرابعة والاقتصاد الدائري
   • التصنيع الذكي: أنظمة الرؤية الحاسوبية (مثل تلك التي طورتها
     شركة “Siemens” تفحص خطوط الإنتاج لاكتشاف عيوب قد لا
     تراها العين البشرية، مما يخفض نسبة الهدر في التصنيع إلى
     “15%”.
   • إدارة سلسلة التوريد: تحليل البيانات الضخمة لتحسين تخزين
     المواد وتوزيعها، كما في منصات “Amazon AWS”التي
     تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليل الفاقد في النقل.

🔷 التحديات الأخلاقية والمجتمعية

1. التحيز الخوارزمي وانعدام الشمولية
   قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي تحيزات موجودة في بيانات
   التدريب، مما يؤدي إلى تعميم الصور النمطية الاجتماعية أو
   الثقافية. على سبيل المثال، أظهرت دراسة لجامعة “MIT” أن
   أنظمة التعرف على الوجوه كانت أقل دقة بنسبة “34%”
   للأشخاص ذوي البشرة الداكنة.
2. الفجوة الرقمية
   تتركز “60%” من استثمارات الذكاء الاصطناعي في الدول
   المتقدمة، بينما تفتقر الدول النامية إلى البنية التحتية الرقمية
   والمهارات اللازمة، مما يعمق الفجوة بين الشمال والجنوب.
3. الخصوصية وسرية البيانات
   يثير استخدام البيانات الشخصية في تطبيقات الصحة والتعليم
   مخاوف أخلاقية من تبادل البيانات الشخصية او استغلالها في
   مجالات اخرى. 🔷 نحو إطار أخلاقي عالمي
   برزت مبادرات دولية مثل “الميثاق الرقمي العالمي” الذي تدعمه
   الأمم المتحدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، مع التركيز
   على:
   – تطوير معايير شفافية للخوارزميات.
   – ضمان المساءلة في حالات الأضرار الناتجة عن القرارات
   الآلية.
   – دعم البحوث التي تعالج التحيزات وتعزز الإنصاف.

🔷 الخاتمة
يمثل الذكاء الاصطناعي أداة حاسمة لتحقيق الاستدامة، لكن
نجاحه مرهون بموازنة إمكاناته مع ضمان العدالة الاجتماعية. كما
قال الأمين العام للأمم المتحدة: “التكنولوجيا يجب أن تخدم
الإنسانية، لا أن تهدد قيمها الأساسية”. لذا، يتطلب تعظيم الفوائد
تعاونًا دوليًا لبناء أنظمة ذكية وأخلاقية تخدم الجميع دون
استثناء. وتعاون ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي للمجتمعات
الفقيرة.