أبحاث علمية : خطة استراتيجية لإحياء القطاع البحري اليمني (2025-2035) : آفاق وتطلعات مستقبلية



 المركز الديمقراطى العربىمنذ ساعتين

67 36 دقائق



اعداد : ا. محمد على  احمد حمران, اتحاد الاكاديميين  العرب ،  صنعاء ، لجمهورية اليمنية .

المركز الديمقراطي العربي

 
ملخص :
يمتلك اليمن، بفضل موقعه الجغرافي عند مفترق طرق التجارة البحرية العالمية الرئيسية، لا سيما إشرافه على مضيق باب المندب، أهمية استراتيجية هائلة بطبيعتها. يُعد هذا الممر المائي الحيوي شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية، حيث يسهل مرور جزء كبير من نقل النفط العالمي والتجارة الإجمالية. على الرغم من هذه الميزة المتأصلة، لا يزال الأسطول التجاري البحري اليمني غير متطور، وقد شهدت موانئه البحرية تدهورًا عميقًا بسبب تضافر عوامل الصراع المستمر، والأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية، وتجزئة الحوكمة، والقيود الشديدة على الموارد. لم يؤدِ عدم الاستقرار المستمر إلى شل النشاط التجاري فحسب، بل فاقم أيضًا الأزمة الإنسانية الوخيمة، مما يجعل وظائف الموانئ ضرورة ملحة.
يحدد هذا التقرير خطة استراتيجية شاملة للقطاع البحري اليمني للفترة 2025-2035. ويقترح نهجًا متعدد الأوجه يركز على التحديث القوي للبنية التحتية، وتطوير الخدمات البحرية المتخصصة والأسواق المتخصصة، والمشاركة الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والعالمية الرئيسية. تؤكد الحلول على تعزيز التعاون الإقليمي مع الصين، ومواجهة المنافسة من المراكز الراسخة مثل دبي وجدة وصلالة، والاستفادة من المصالح الاستراتيجية للجهات الفاعلة العالمية مثل ماليزيا واندونيسيا ، ايران . تدعو الاستراتيجية إلى نهج تدريجي، يمنح الأولوية للاستقرار الأمني الفوري والوصول الإنساني، يليه استثمارات مستهدفة في الموانئ الساحلية الرئيسية والمراكز اللوجستية في الجزر اليمنية. بينما تتطلب الأرقام المحددة لأصول الأسطول تقييمات مفصلة بعد انتهاء النزاع، يحدد التقرير أنواع السفن وطرق الاستحواذ اللازمة لأسطول حديث. والأهم من ذلك، أن تأمين تمويل واستثمار متنوعين من الكيانات العربية والدولية العالمية سيعتمد على إرساء بيئة تشغيل مستقرة ويمكن التنبؤ بها. تؤكد الدروس المستفادة من الدول البحرية مثل الصين والإمارات العربية المتحدة ، سنغافورة وكوريا الجنوبية، جنوب افريقيا وبولنداــ على ضرورة الاستثمار المستمر، والتكامل التكنولوجي، والحوكمة الموحدة لإطلاق العنان لإمكانات اليمن البحرية الكاملة.
1. مقدمة: الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن بحريًا
1.1. الأهمية الدائمة للموقع الساحلي والجزري لليمن
يُعد الموقع الجغرافي لليمن استراتيجيًا بلا شك، حيث يضعه عند مفترق طرق التجارة البحرية العالمية الحيوية. تطل البلاد بشكل خاص على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي حرج يربط البحر الأحمر بالبحر العربي. يعمل هذا المضيق كشريان أساسي للتجارة العالمية، حيث يمر عبره ما يقرب من 7% من إجمالي التجارة و30% من نقل النفط العالمي.1 وهذا يجعل اليمن لاعبًا لا غنى عنه في الشبكة المعقدة للتجارة البحرية العالمية.
إلى جانب هذا المضيق الحيوي، يمتلك اليمن  مساحة بحرية تصل الى نصف مليون كم2، أي ما تعادل مساحة البحر الأحمر وضعفي مساحة الخليج العربي، وساحل طويل يمتد لحوالي 2800 كم، بالإضافة إلى أكثر من مائتين  جزيرة، وموقع جيوستراتيجي حاسم، كما  ان اليمن تشكل مصدر انتاج لمختلف البضائع والمنتوجات من الطاقة من النفط والغاز والمنتوجات السمكية البحرية، مما يوفر إمكانات كامنة كبيرة لتنمية بحرية متنوعة. ويشمل ذلك توسيع البنية التحتية للموانئ، ونمو أسطول الشحن التجاري، وإنشاء مجموعة واسعة من الخدمات البحرية.2 تاريخيًا، احتلت الموانئ اليمنية، مثل عدن والحديدة، أهمية قديمة عميقة. ولم يقتصر دورها على تشكيل الاقتصاد المحلي فحسب، بل امتد ليشمل دورًا محوريًا في تاريخ شبه الجزيرة العربية الأوسع وديناميكيات التجارة.1
إن التأكيد المستمر في مختلف التحليلات على “الموقع الاستراتيجي” لليمن 1 هو أكثر من مجرد ملاحظة جغرافية؛ إنه يؤكد اهتمامًا دوليًا دائمًا باستقرار ووظائف مجاله البحري. وهذا يعني أن أي استراتيجية بحرية طويلة الأجل لليمن يجب أن تأخذ في الاعتبار وتستفيد استراتيجيًا من هذا الاهتمام الخارجي. فبدلاً من النظر إلى التدخل الدولي على أنه مجرد نتيجة لصراعاته الداخلية، يمكن لليمن أن يؤطر تنميته البحرية بشكل استراتيجي كمساهمة مباشرة في أمن التجارة العالمية. يمكن أن يجذب هذا النهج دعمًا واستثمارًا كبيرين من القوى البحرية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة والهند. يؤكد التكرار في تسليط الضوء على “الموقع الاستراتيجي” لليمن وقربه من “الممر المائي الحيوي” لباب المندب 1 أن محاول السيطرة الامريكية والغربية والاضطرابات في هذه المنطقة تؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد العالمية.6 وهذا التداعيات المباشرة تعني أن الجهات الفاعلة الاقتصادية والسياسية الكبرى لديها مصلحة راسخة في استقرار البحر الأحمر، مما يخلق فرصة محتملة للتعاون متعدد الأطراف والاستثمار، شريطة أن يتم معالجة التحديات الأمنية الأساسية بفعالية.
1.2. الوضع الحالي للقطاع البحري اليمني
على الرغم من المزايا الاستراتيجية المتأصلة، فان الأسطول التجاري البحري اليمني شهد تراجع كبير في ضعف  البنية التحتية والأداء في الخدمات البحرية والدعم اللوجيستي شبة المعدوم، وتضائل الإنتاج البحري للأسماك والاحياء البحرية  ، وقد شهدت موانئه البحرية تدهورًا كبيرًا في قدرتها التشغيلية ودورها الإقليمي. لقد حول الصراع الطويل هذه الموانئ الحيوية تاريخيًا إلى أصول متنازع عليها بشدة، حيث تتنافس الفصائل المتحاربة المختلفة للسيطرة على السواحل والمنافذ البحرية الحيوية.1 وهذا التجزئة تقوض بشكل أساسي أي نهج موحد للحوكمة والتنمية البحرية.
تُعد الموانئ الرئيسية، بما في ذلك الحديدة والصليف ورأس عيسى، شريان حياة لا غنى عنه، حيث تسهل ما يقرب من 70-80% من الواردات التجارية اليمنية والمساعدات الإنسانية.7 ومع ذلك، فقد تقلصت قدرتها التشغيلية بشكل كبير بسبب الأضرار الواسعة المتعلقة بالنزاع والتهديدات المستمرة في الحصار البحري الأمريكي .3
يقدم الوضع الحالي للقطاع البحري اليمني مفارقة عميقة: إمكانات استراتيجية هائلة تقوضها بشدة الصراعات الداخلية المستمرة والتجزئة السياسية. وهذا يشير إلى أن أي استراتيجية تنمية بحرية قابلة للتطبيق لا يمكن فصلها عن الجهود الأوسع نحو الاستقرار السياسي وحل النزاعات. فاستثمارات البنية التحتية وحدها، دون تحول أساسي في المشهد الأمني والحوكمة، من غير المرجح أن تحقق تنمية مستدامة أو تجذب النطاق اللازم من المشاركة التجارية الدولية. إن الارتباط المباشر بين “الصراعات المستمرة، وعدم الاستقرار السياسي، وتزايد التهديدات البحرية” 3 وتدهور القطاع واضح. وتوضح التفاصيل المحددة لأضرار البنية التحتية 7 وما نتج عنها من انخفاض بنسبة 70% في القدرة التشغيلية 8 التأثير المادي. والأهم من ذلك، أن “المشهد السياسي والاقتصادي المجزأ” 3 و”عدم قدرة النخب السياسية اليمنية على إنشاء نظام حوكمة قوي” 1 يُحددان كأسباب جذرية. وهذا يكشف أن المشكلة ليست مجرد نقص فني أو مالي، بل هي أزمة سياسية نظامية عميقة. لذلك، يجب أن تكون الاستراتيجية البحرية الناجحة جزءًا لا يتجزأ من تسوية سياسية أوسع تضمن الأمن والحوكمة الموحدة، وتعتمد عليها إلى حد كبير.
2. التحديات والعوائق الأساسية أمام التنمية البحرية
2.1. التوترات الجيوسياسية المستمرة والتهديدات الأمنية البحرية
يضع الموقع الاستراتيجي لليمن، على الرغم من كونه ميزة كبيرة، في قلب توترات جيوسياسية كبيرة وتهديدات أمنية بحرية. يُعرف البحر الأحمر وخليج عدن بأنهما شريانان حيويان للتجارة البحرية العالمية.3 وتصنف من الأحواض البحرية العربية، ومنذ نوفمبر 2023، تم تصنيف منطقة البحر الأحمر رسميًا كمنطقة خطر بسبب تصاعد الصراعات البحرية العالمية، والأنشطة العسكرية الأجنبية المهيمنة، الهجمات على الشحن الدولي.3 وقد شارك انصار الله  بنشاط في استهداف السفن التجارية الإسرائيلية ، بإضافة الى منع الشركات  الأجنبية من الاستفادة من الصادرات اليمنية بهدف معلن هو تعطيل صادرات النفط للحكومة الفنادق اليمنية، والملاحة البحرية الدولية.3 وقد أجبرت هذه الإجراءات العديد من شركات الشحن على تحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا.6
يفرض تحويل مسار السفن تكاليف وتأخيرات كبيرة على التجارة العالمية. ويضيف ما يقدر بـ 10-15 يومًا إضافيًا في وقت العبور ويزيد تكاليف الوقود للرحلات بين آسيا وأوروبا بنحو 40%. علاوة على ذلك، تضاعفت أسعار الشحن للحاويات تقريبًا، حيث تبلغ تكلفة الحاوية ذات الأربعين قدمًا الآن ما يصل إلى 3159 دولارًا، بزيادة كبيرة عن 1521 دولارًا في أواخر عام 2023. كما شهدت أقساط التأمين لعبور البحر الأحمر ارتفاعًا مذهلاً بنسبة 900%.6
أثرت الضربات العسكرية من قبل الجهات الفاعلة الدولية، كجزء من الحملات ضدها ، بشكل مباشر على البنية التحتية للموانئ اليمنية. على سبيل المثال، أسفرت الضربات الامريكية والصهيونية المعادية  على ميناء رأس عيسى في الحديدة في 17 أبريل 2025، عن عشرات الضحايا المدنيين وأضرار كبيرة في خزانات الوقود ومرافق الموانئ، مما أدى إلى تقليص عملياتها بشكل كبير.7 كما أدت الضربات الجوية الإسرائيلية اللاحقة في ديسمبر 2024 إلى إلحاق المزيد من الأضرار بمرافق الموانئ الحيوية في الحديدة، والصليف، ومرافق النفط في رأس عيسى، مما أدى إلى انخفاض يقدر بنسبة 70% في قدرتها التشغيلية.8 وهكذا، أدى الصراع الطويل في اليمن إلى تمكين مختلف الجهات الفاعلة الراغبة والقادرة على تعطيل تدفق حركة الملاحة البحرية عبر باب المندب، وهو ممر مائي عالمي حيوي.5
يمثل تصنيف البحر الأحمر “منطقة خطر” وما تلاه من تحويل واسع النطاق للشحن العالمي 3 حافزًا اقتصاديًا عميقًا ودائمًا لعدم الاستثمار والنشاط التجاري الطبيعي في الموانئ اليمنية. وهذا يتجاوز مجرد الأضرار المادية؛ إنه يسلط الضوء على تصور عميق لعدم الأمان الذي يتخلل الصناعة البحرية. لذلك، يتطلب التنشيط الناجح ليس فقط وقف الأعمال العدائية وإعادة الإعمار المادي، بل أيضًا جهدًا مستمرًا وموثوقًا به دوليًا لإعادة بناء الثقة وتغيير تصور السوق للأمن في المنطقة بشكل أساسي. وهذا تحدٍ هائل قد يستغرق سنوات للتغلب عليه، حتى بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل. إن العواقب الاقتصادية الفورية لهجمات حكومة صنعاء ، مثل تحويل المسار، وزيادة التكاليف، وارتفاع أقساط التأمين 6،. كما تؤثر الضربات الأمريكية على الموانئ بشكل مباشر على القدرة التشغيلية .7 ومع ذلك، فإن العواقب طويلة الأجل لتصنيف البحر الأحمر “منطقة خطر” 3 والاستجابة التجارية الواسعة (تحويل المسار) تخلق تصورًا سلبيًا قويًا. حتى لو تراجع الصراع، فإن شركات الشحن، مدفوعة بتقييم المخاطر وهوامش الربح، ستكون بطيئة في العودة إلى منطقة يُنظر إليها على أنها عالية المخاطر. لذلك، فإن إعادة بناء البنية التحتية المادية ليست سوى جزء من الحل؛ الجزء الآخر ينطوي على جهد متضافر لاستعادة الثقة وإظهار الأمن المستمر، وهو مسعى أكثر تعقيدًا ويستغرق وقتًا طويلاً.
2.2. الأضرار الواسعة في البنية التحتية وأوجه القصور التشغيلية
لقد ألحقت سنوات الصراع المسلح أضرارًا جسيمة وواسعة النطاق بالبنية التحتية الحيوية لليمن، بما في ذلك موانئه. تعيق هذه الأضرار بشكل كبير الجهود المبذولة لتنفيذ تدابير أمنية جديدة والعمل بكفاءة.3 وقد تعرضت الموانئ مثل الحديدة والصليف ورأس عيسى، التي تُعد حيوية لـ 70-80% من واردات البلاد والمساعدات الإنسانية، لأضرار واسعة النطاق في مرافقها. ويشمل ذلك تدمير خزانات الوقود، وتلف الأرصفة، ومناطق الجمارك، ومرافق تفريغ البضائع.7
وقد أدت هذه الأضرار إلى تقليص القدرة التشغيلية لموانئ البحر الأحمر بنسبة تقدر بـ 70%.8 على سبيل المثال، تضررت ثماني قاطرات بحرية، وهي ضرورية لعمليات الشحن، في الغارات الجوية الأخيرة.8 وبعيدًا عن الأضرار المباشرة، تعمل الموانئ مثل المكلا بموارد محدودة للغاية، بما في ذلك قاطرة واحدة عاملة تعاني من مشاكل في المحرك، مما يؤكد مشكلة نظامية تتمثل في عدم كفاية تخصيص الموارد والصيانة في جميع أنحاء القطاع.1 تشكل حالة الرصيف المتدهورة في موانئ مثل المكلا مخاطر كبيرة على الاستخدام الآمن للأصول وتتطلب إعادة تأهيل عاجلة.1 علاوة على ذلك، تستلزم مشاكل المعدات ، لا سيما فيما يتعلق بمناولة الحاويات، اقتناء آلات جديدة وحديثة.1 كما يُعد غياب نظام تشغيل محطات (TOS) عائقًا رئيسيًا أمام إدارة تدفق البضائع بكفاءة، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لنظام تحكم إداري حديث لتبسيط العمليات.1
يشير النطاق الواسع والنظامي لأضرار البنية التحتية وأوجه القصور التشغيلية – بدءًا من القاطرات التالفة وجدران الأرصفة إلى غياب أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحديثة مثل نظام تشغيل المحطات (TOS) – إلى أن النهج الجزئي أو المعزول لإعادة الإعمار سيكون غير كافٍ تمامًا. يجب أن تتضمن الاستراتيجية الفعالة حقًا برنامج تحديث شامل يدمج بسلاسة الإصلاحات المادية مع الترقيات التكنولوجية وتنمية رأس المال البشري الموازية. وهذا النهج الشامل ضروري لاستعادة الوظائف الكاملة، وتعزيز المرونة، وتحقيق القدرة التنافسية في المشهد البحري العالمي. تقدم التحليلات المختلفة قائمة مفصلة بأوجه القصور: خزانات الوقود التالفة، والأرصفة، والقاطرات 7، بالإضافة إلى نقص نظام تشغيل المحطات (TOS) الحديث 1 ومشاكل المعدات العامة.1 وهذا يشير إلى مشكلة تتجاوز مجرد استبدال ما تم كسره؛ إنها تتعلق بمعالجة أوجه القصور التشغيلية والتكنولوجية الأساسية. فكفاءة الميناء هي وظيفة نظامه البيئي بأكمله – البنية التحتية المادية، والآلات، والأنظمة الرقمية. وإهمال أي مكون واحد سيحد من فعالية الاستثمارات في المكونات الأخرى. لذلك، فإن النهج الشامل والمتكامل أمر بالغ الأهمية للتحسين المستدام، بدلاً من الإصلاحات المعزولة.
2.3. تجزئة الحوكمة وعدم الاستقرار السياسي
يُعد العائق الرئيسي أمام التنمية البحرية في اليمن هو عدم قدرة نخبه السياسية على إنشاء نظام حوكمة قوي وموحد. وقد ترك هذا النقص في الحوكمة المتماسكة البلاد عرضة للاستغلال الداخلي والتدخل الخارجي.1 وقد أدى الصراع المستمر إلى وضع تتنافس فيه الفصائل المتحاربة بنشاط للسيطرة على السواحل والمنافذ البحرية الحيوية، مما يحول الموانئ فعليًا إلى أصول متنازع عليها بشدة بدلاً من أن تكون ميسرة للتجارة الوطنية الموحدة.1
تتجلى هذه التجزئة في عقبات تشغيلية معقدة أمام الشحن الدولي. بما في ذلك الحصول على تصريح إلزامي من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن قبل خمسة أيام من الوصول.1 بالإضافة إلى ذلك، تخضع جميع السفن التي تدخل المياه الإقليمية اليمنية للتفتيش من قبل القوات البحرية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.1 ويزيد التأثير الكبير على الواردات من تعقيد مشهد الحوكمة، مما يضيف طبقات من التعقيد وعدم القدرة على التنبؤ بالعمليات البحرية.1
تخلق تجزئة الحوكمة والسيطرة المتنازع عليها على الموانئ اليمنية “متاهة تنظيمية وأمنية” معقدة لشركات الشحن الدولية والمستثمرين المحتملين. وهذا لا يردع النشاط التجاري المشروع بشكل مباشر بسبب عدم اليقين وزيادة المخاطر فحسب، بل يعقد أيضًا بشكل كبير التسليم الفعال للمساعدات الإنسانية الحيوية. لذلك، فإن إنشاء سلطة ميناء مستقرة وموحدة ومعترف بها دوليًا، أو على الأقل آلية حوكمة متعددة الأطراف عالية التنسيق، هو شرط أساسي لأي انتعاش ذي مغزى ومستدام للقطاع البحري. المشكلة الأساسية المحددة هي “عدم قدرة النخب السياسية اليمنية على إنشاء نظام حوكمة قوي” 1 وحقيقة أن الموانئ “أصول متنازع عليها”.1 وهذا يؤدي مباشرة إلى تحديات تشغيلية مثل “شروط الدخول المحددة” و”التفتيش” من قبل كيانات مختلفة 1، وهي عقبات بيروقراطية وأمنية للسفن التجارية. يترجم هذا إلى مستويات غير مقبولة من المخاطر التشغيلية، وعدم اليقين القانوني، واحتمال التدخل التعسفي، مما يجعل الاستثمار المستمر أو حتى المكالمات التجارية المنتظمة غير جذابة للغاية. لذلك، فإن إطار الحوكمة الموحد والشفاف والمستقر هو أساسي، وليس مجرد مرغوب فيه، لأي تنمية طويلة الأجل.
2.4. محدودية الاستثمار وقيود الموارد
هناك حاجة ماسة وحرجة لاستثمارات كبيرة في البنية التحتية للموانئ والمعدات الحديثة والموارد التقنية في اليمن.3 لقد أدى الصراع الطويل إلى إضعاف الاقتصاد اليمني بشدة، مما حد بشكل كبير من قدرة الحكومة على تخصيص أموال كافية للبنية التحتية لأمن الموانئ والتنمية البحرية الأوسع.3 تعاني أصول الموانئ الحالية من نقص عميق في الصيانة، مما يترجم مباشرة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وتدهور الأداء، وانخفاض الموثوقية، وتدهور السلامة لعمال الموانئ والأصول.9
في حين أن الدعم الدولي، مثل اتفاقية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بقيمة 2 مليون دولار لإعادة تأهيل موانئ عدن والمكلا، جدير بالثناء، إلا أنه غير كافٍ بشكل واضح بالنظر إلى الحجم الواسع للأضرار واحتياجات التنمية الشاملة.3 على سبيل المثال، يقدر مشروع ميناء جديد واحد في قشن بـ 130 مليون دولار 20، مما يسلط الضوء على التفاوت الهائل بين المساعدات الحالية والمتطلبات الفعلية.
يخلق الانهيار الاقتصادي الحالي المدفوع بالصراع حلقة مفرغة خطيرة: نقص الإيرادات الحكومية يمنع الاستثمار الأساسي، مما يؤدي إلى استمرار البنية التحتية المتدهورة وأوجه القصور التشغيلية، مما يعيق النشاط الاقتصادي وتوليد الإيرادات. يتطلب كسر هذه الحلقة تدخلًا ماليًا خارجيًا كبيرًا ومستدامًا، والذي من المرجح أن يعتمد على التقدم نحو الاستقرار السياسي، واستكشاف نماذج تمويل مبتكرة تتجاوز المساعدات الإنسانية التقليدية. تشير التحليلات المختلفة بوضوح إلى “قيود الموارد” 3، و”أضرار البنية التحتية” 3، و”قدرة الحكومة المحدودة على الاستثمار”.3 وهذا يؤدي إلى نقص الصيانة 9 ومشاكل المعدات.1 إن مبلغ 2 مليون دولار من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/الصندوق الكويتي 3 يتناقض بشكل صارخ مع 130 مليون دولار اللازمة لميناء جديد واحد 20، مما يسلط الضوء على عدم كفاية التمويل الحالي. وهذا يعني أن المساعدات التقليدية، على الرغم من فائدتها للإغاثة الفورية، غير كافية للتنمية البحرية التحويلية واسعة النطاق. لذلك، هناك حاجة إلى استراتيجية مالية أكثر قوة وتنوعًا، وربما مرتبطة بجهود بناء السلام الأوسع، لجذب رأس المال اللازم.
2.5. الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية على التجارة البحرية
لقد أدى الهجوم العسكري المستمر إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الشديدة بالفعل في اليمن، مما جعل الموانئ مثل الحديدة حاسمة للغاية كنقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية الحيوية.1 يؤدي تعطيل عمليات الموانئ مباشرة إلى قيود شديدة على استيراد السلع الأساسية، مما يؤدي إلى نقص واسع النطاق وارتفاع الأسعار للضروريات الأساسية، وبالتالي تفاقم الوضع الإنساني.8
تُحمّل تكاليف الشحن المتزايدة، المدفوعة بأقساط التأمين الباهظة ضد مخاطر الحرب وعمليات التفتيش والتخليص الشاقة، حتمًا للمستهلكين اليمنيين مباشرة، مما يزيد من حدة الصعوبات الاقتصادية والضغوط التضخمية.6 وتمتد الآثار المتتالية للصراع إلى قطاعات حيوية مثل الزراعة، مما يؤثر سلبًا على محاصيل المزارعين خارج الموسم ويتركهم بخيارات محدودة للغاية للتكيف بعد سنوات من عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي.8
إن التداخل العميق بين الأزمة الإنسانية في اليمن والاضطراب الشديد في قطاعها البحري يخلق حلقة تغذية راجعة حرجة: ضعف القطاع البحري يساهم مباشرة في المعاناة الإنسانية، مما يقوض بدوره أي آفاق للانتعاش الاقتصادي. وهذا يرفع التنمية البحرية من مجرد مسعى اقتصادي أو لوجستي إلى ضرورة إنسانية ملحة. يمكن أن يؤدي تأطير تنشيط الموانئ في هذا السياق إلى جذب مجموعة أوسع من الدعم والتمويل الدوليين، بما في ذلك من الوكالات الإنسانية والتنموية، مع التركيز على الاستقرار والانتعاش على المدى الطويل، بدلاً من مجرد الاستثمار التجاري. تربط التحليلات المختلفة بوضوح وظائف الموانئ بالمساعدات الإنسانية، حيث تتعامل الحديدة مع 80% من المساعدات.1 وتتسبب الأضرار التي لحقت بالموانئ مباشرة في “نقص الوقود والغذاء” و”ارتفاع حاد في الأسعار”.8 وتُحمّل تكاليف الشحن المتزايدة 6 في النهاية على السكان اليمنيين، مما يزيد من محنتهم الاقتصادية. وهذا يوضح أن الوضع الحالي للشؤون البحرية ليس مجرد عدم كفاءة اقتصادية، بل هو سبب مباشر ومفاقم للكارثة الإنسانية. لذلك، يجب أن يعالج أي حل هذه الطبيعة المزدوجة، مما يجعله جذابًا لكل من المستثمرين التجاريين (لتحقيق الجدوى على المدى الطويل) والجهات الفاعلة في المجال الإنساني/التنموي (لتحقيق تأثير فوري وبناء المرونة).
3. الحلول الاستراتيجية: الاستفادة من الإمكانات البحرية لليمن
3.1. تعزيز البنية التحتية للنقل البحري وتحديث الموانئ
3.1.1. إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار وبناء القدرات في الموانئ الساحلية الرئيسية (مثل عدن، المكلا، قشن، الحديدة ، الصليف راس عيسي , جزيرة سقطرى ، عبد الكوري , ذو حراب , كمران , بن عباس , المخا )
تتضمن الخطوة الأساسية نحو تنشيط القطاع البحري اليمني إعطاء الأولوية لإعادة التأهيل الشامل للمرافق المتضررة وشراء المعدات التشغيلية الأساسية للموانئ الحيوية مثل عدن والمكلا. ويمكن أن يستند هذا الجهد إلى الشراكات القائمة، وإن كانت محدودة، مع كيانات مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، اللذين خصصا بالفعل أموالًا لجهود إعادة التأهيل.3 وبعيدًا عن مجرد الإصلاحات، فإن تنفيذ أنظمة تحكم إدارية حديثة وأنظمة تشغيل محطات (TOS) متقدمة أمر بالغ الأهمية لتحسين إدارة تدفق البضائع بشكل كبير، وتقليل الاختناقات، وتعزيز كفاءة الموانئ بشكل عام.1 كما أن معالجة احتياجات البنية التحتية المادية الحرجة، بما في ذلك إعادة تأهيل جدران الأرصفة بشكل عاجل واقتناء آلات جديدة عالية القدرة لمناولة الحاويات، أمر بالغ الأهمية لضمان عمليات آمنة وفعالة.1
تمثل خطط اليمن لإنشاء ميناء جديد في منطقة قشن بمحافظة المهرة الشرقية، بتكلفة تقديرية تبلغ 130 مليون دولار، بما في ذلك طريق بقيمة 45 مليون دولار لنقل المعادن، مشروعًا مستقبليًا مهمًا.20 تُعد هذه المبادرة، التي تتضمن امتيازًا لمدة 50 عامًا لشركة أجهام للطاقة والتعدين، فرصة حيوية للتحسين والتنويع الاقتصادي، على الرغم من الصراع المستمر.20 يمثل مشروع ميناء قشن المخطط له تحولًا استراتيجيًا محتملاً نحو صادرات المعادن والتنويع الاقتصادي، متجاوزًا اعتماد اليمن التقليدي على النفط والواردات العامة. ومع ذلك، فإن نجاحه على المدى الطويل وجدوى امتيازه لمدة 50 عامًا يعتمدان بشكل كبير على تأمين المنطقة من الصراع وإرساء بيئة قانونية وسياسية مستقرة ويمكن التنبؤ بها، حيث إن مثل هذه الاستثمارات واسعة النطاق معرضة بشدة لعدم الاستقرار المستمر. مشروع قشن هو استثمار كبير مرتبط صراحة بـ “المعادن” 20، مما يشير إلى تحول عن النشاط الحالي للموانئ الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد. في حين أن هذا التنويع هو هدف إيجابي على المدى الطويل، فإن سياق “الصراع المستمر منذ سبع سنوات” و”الكارثة الإنسانية” 20 يتناقض مباشرة مع الاستقرار المطلوب لـ “امتياز لمدة 50 عامًا”. وتبرز ضعف الموانئ الحالية أمام الهجمات 3 المخاطر الشديدة لمثل هذا الاستثمار الخاص طويل الأجل. لذلك، فإن نجاح المشروع لا يتعلق فقط بمزاياه الاقتصادية، بل يتعلق بشكل أساسي بالبيئة السياسية والأمنية الأوسع.
3.1.2. تطوير موانئ الدعم اللوجستي في الجزر اليمنية (مثل سقطرى)
تدعو الاستراتيجية البحرية للفترة 2025-2035 صراحة إلى تطوير موانئ الدعم اللوجستي في الجزر اليمنية، مثل سقطرى. تمتلك سقطرى بالفعل ميناءً قائمًا، تم بناؤه عام 1996، والذي يرمز إلى المرونة والاكتفاء الذاتي.1 ويتوافق موقعها الاستراتيجي في المحيط الهندي أيضًا مع تركيز الاستراتيجية على رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي (IORA). يمكن أن يؤدي تطوير موانئ هذه الجزر إلى إنشاء شبكة من المراكز اللوجستية الموزعة، وبالتالي تقليل الاعتماد المفرط على موانئ البر الرئيسي وضعفها أمام الاضطرابات المتعلقة بالنزاع. يمكن أن توفر هذه المراكز الجزرية عمقًا استراتيجيًا للتجارة العالمية، لا سيما لنقل الغاز والنفط والمواد السائبة الأخرى. يمكن لمثل هذا التطور أن يضع هذه الجزر كنقاط شحن آمنة، أو محطات تزويد بالوقود حيوية، أو مراكز صيانة متخصصة، مستفيدة من وصول اليمن إلى المياه العميقة وقربها من ممرات الشحن العالمية الرئيسية.1
يمكن أن يكون الاستفادة من جزر مثل سقطرى لموانئ الدعم اللوجستي بمثابة استراتيجية حاسمة لتقليل المخاطر في القطاع البحري اليمني، مما يخلق نقاطًا أكثر أمانًا واستقرارًا بعيدًا عن مناطق النزاع المباشرة في البر الرئيسي. يمكن أن يجذب هذا النهج الموزع استثمارات متخصصة، لا سيما في المجالات ذات القيمة العالية مثل شحن الغاز والنفط، بالنظر إلى التركيز الاستراتيجي، ويساهم في شبكة بحرية وطنية أكثر مرونة. يطلب المستخدم تحديدًا “موانئ دعم لوجستي في الجزر اليمنية للخدمات اللوجستية ونقل الغاز والنفط والمواد على مستوى العالم”. وحقيقة أن سقطرى لديها بالفعل ميناء وتقع في المحيط الهندي 1 يجعلها مرشحًا طبيعيًا. ونظرًا لضعف موانئ البر الرئيسي أمام النزاع 3، فإن تطوير مرافق الجزر يوفر بيئة أكثر أمانًا ويمكن التنبؤ بها للشحنات عالية القيمة مثل النفط والغاز. ويخفف هذا اللامركزية الاستراتيجية من المخاطر المرتبطة بتركيز البنية التحتية الحيوية في المناطق المعرضة للنزاع، مما يجعل هذه المشاريع أكثر جاذبية لشركات الطاقة الدولية والمستثمرين الذين يبحثون عن الاستقرار.
3.1.3. تطبيق تقنيات الموانئ المتقدمة وأنظمة التشغيل
يُعد دمج أنظمة التحكم الإدارية الحديثة وأنظمة تشغيل المحطات (TOS) المتطورة أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق إدارة فعالة لتدفق البضائع ومعالجة أوجه القصور التشغيلية الحالية.1 لا يقتصر الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة على تعزيز الكفاءة فحسب؛ بل تعمل أيضًا على تحسين تخصيص الموارد وتحسين الاستعداد التشغيلي العام بشكل كبير، حتى في سياقات الموارد المحدودة.1 ويُعد اعتماد أحدث تقنيات الأمن البحري، مثل أنظمة المراقبة المتقدمة، والكشف عن التهديدات المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وأدوات الأمن السيبراني القوية، أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة التهديدات غير المتكافئة مثل هجمات الطائرات بدون طيار وضمان سلامة عمليات الموانئ.6
يخدم التنفيذ الاستراتيجي للتكنولوجيا المتقدمة في الموانئ اليمنية غرضًا مزدوجًا: فهو ليس ضروريًا لتحقيق الكفاءة التشغيلية والقدرة التنافسية فحسب، بل هو أيضًا أمر بالغ الأهمية لتعزيز الأمن وبناء المرونة في بيئة متقلبة. وهذا النهج المتكامل، حيث تعالج التكنولوجيا بشكل مباشر الضرورات التجارية والأمنية، يجعل مشاريع تطوير الموانئ أكثر جاذبية وجاذبية للشركاء والمستثمرين الدوليين المحتملين. تسلط التحليلات المختلفة الضوء على الحاجة إلى “نظام تحكم إداري حديث” 1 والفائدة العامة لـ “التكنولوجيا المتقدمة” لتحقيق الكفاءة.1 وبشكل منفصل، تُذكر “تقنيات الأمن البحري” مثل “الكشف عن التهديدات المدعوم بالذكاء الاصطناعي” و”أدوات الأمن السيبراني” صراحةً على أنها حاسمة بسبب تهديدات حكومة صنعاء ين.6 والصلة بين هاتين الحاجتين اللتين تبدوان منفصلتين هي أن الاستثمار في التكنولوجيا يحسن الأداء التشغيلي
ويوفر طبقات أمنية حاسمة في نفس الوقت. وهذا الفائدة المزدوجة هي حجة قوية لجذب التمويل من أصحاب المصلحة المهتمين بالجدوى الاقتصادية وتخفيف المخاطر في منطقة متأثرة بالنزاع.

رابط البحث

اترك رد