كتاب : سلسلة ملخصات دراسات وأبحاث التعليم العالي في اليمن

مقدمة عامة :

تعتمد سمعة البحث العلمي في أي دولة وجامعة إلى حد كبير على نوع وعدد البحوث المنشورة في المجلات العلمية المعروفة لدى هيئات التصنيف وبعد النشر العلمي أحد أهم المقاييس المستخدمة في تقدير مستوى الإنتاج العلمي، إذ لا قيمة للعلم إذا لم يتم نشره واتاحته الخدمة البشرية، وذلك من منطلق أن العلم عالمي النزعة، وأن المعرفة لا وطن لها، حيث أصبحت ذات صبغة عالمية بفضل استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات التي سهلت التواصل بين العلماء والباحثين بغض النظر عن الحواجز الجغرافية.

وفي اليمن بعد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من أكبر القطاعات الخدمية، ويصل عمره إلى نصف قرن، حيث تم تأسيس أول جامعتين يمنيتين عام 1970، وهما جامعتي صنعاء وعدن، تلا ذلك تأسيس عشرات الجامعات، وعشرات المراكز البحثية، حتى اليوم، فمن ناحية التكوين المؤسسي تشير الإحصائيات لعام 2019، إلى أن في اليمن حوالي (72) جامعة (حكومية وأهلية مع الفروع في بعض المحافظات، وفيها ما يربو عن (92) مركزاً بحثيا، ومن ناحية الإنتاج العلمي والمعرفي لهذه المؤسسات فيوجد لدى اليمن إنتاج علمي غزير ووافر حيث بلغ عدد الرسائل العلمية – حتى نهاية سبتمبر 2020 – ما يقارب (17000) رسالة علمية (ماجستير ودكتوراه أجيز منها عدد جيد من أعرق الجامعات المحلية والعربية والدولية، في أكثر من 70 دولة، وتتسم الرسائل العلمية بتنوعها، وتعدد لغاتها، إذ تجاوزت أكثر من 18 لغة إلا أن ما يقارب من 60% منها كتبت باللغة العربية، وتتضمن أكثر من (24) مجالاً بحثيا، موزعة بين العلوم الانسانية والاجتماعية والتطبيقية والتقنية، وعلى الرغم من أن هذا العدد يبدو كبيراً، ويبعث البهجة والسرور، إلا أن هذه الإحصائية لا تزال ناقصة، نتيجة الغياب قاعدة بيانات وطنية شاملة وحديثة، ونتيجة لانخفاض نسبة إبداع الرسائل العلمية لدى المركز الوطني للمعلومات للعشر السنوات الأخيرة بسبب الوضع القائم باليمن.

كما يوجد ما يقارب عشرة آلاف من أبحاث الترقيات التي يقوم بها أساتذة الجامعات حيث رصدت الشؤون الأكاديمية الجامعة صنعاء وحدها حتى نهاية 2019، ما يزيد عن 3372 بحثاً، وهي للأساتذة والأساتذة المشاركين فقط، ناهيك عن أبحاث الأساتذة المساعدين والأساتذة الذين ينشرون في عدد من المجلات والمؤتمرات العلمية محلياً ودولياً، ولا يتم توثيقها

أو التعرف إليها. إن حجم الانتاج العلمي والمعرفي اليمني كبير، ومتنوع، وهو حصيلة نصف قرن من التعليم والبحث أنفق عليه ملايين الدولارات، إذ تستهلك الرسائل العلمية سنوياً الآلاف من ساعات العمل والتدريس والبحث والتأطير والكتابة والنسخ والتوثيق والحفظ والأرشفة، من دون أن يكون للمجتمع العلمي والمحلي إحاطة وافية وشاملة عن ذلك الإنتاج وتلك الثروة. وعلى الرغم من زيادة عدد الرسائل العلمية إلا أن ثمة دلائل تشير إلى أن الأجيال الجديدة من الباحثين ما زالت تكرر وتستنسخ بعض الموضوعات البحثية، ويتسبب هذا في هدر الطاقات والوقت والجهد والمال، وانتاج معرفة منسوخة من بعضها، فالإنتاج العلمي الموجود حالياً في المكتبات الجامعية، لم ينشر الكترونيا، ولم يتمكن الجمهور العلمي المحلي والعربي من الوصول إليه، فهو لا يزال غير معلوم (داخلياً وخارجيا)، وأقل ما يمكن وصفه بأنه كنز مدفون، ولم يصل إليه طالبوه، ولا يستفاد منه، ولم يلتفت إليه صناع القرار، وراسمي السياسات العامة بالحكومة، ولا أي من القطاعين الحكومي أو الخاص، بل ظل – ولا يزال – الإنتاج المعرفي باليمن حبيس الأدراج، وعلى رفوف المكتبات الجامعية، ولم يتم توظيفه في مجالات الحياة المختلفة، ولم يسخر لخدمة المجتمع، أو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتحسين الحياة العامة.

وعند تحليل هذه المشكلة، والوقوف على أسبابها، يتضح جليا أن اليمن لا تعاني من ضعف أو قلة الانتاج العلمي، فليست المشكلة في الكم، ولكن هناك علامات استفهام كثيرة عليه من حيث الجودة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى غياب النشر العلمي المميز لذلك الانتاج حيث أن جميع الجامعات لا ترفع انتاجها المعرفي من رسائل الماجستير والدكتوراه، وأبحاث الترقيات على مواقعها الالكترونية، وهي لا تزال بوضعها التقليدي والورقي، رغم وجود نسخ الكترونية لعدد جيد من الرسائل والبحوث، ولم تعمل الجامعات على بناء مستودعات رقمية.

كما يؤخذ على الانتاج العلمي اليمني أن معظمه هو حصاد طلبة الدراسات العليا المرحلتي الماجستير والدكتوراه، ولا ينسب إلى أساتذة الجامعات إلا القليل، وإن وجدت بعض الأبحاث المنشورة فهي لأغراض الترقيات العلمية ليس أكثر، أما عن حركة التأليف والترجمة والنشر الدولي، والبحوث الجماعية، فلا تكاد تذكر إذا ما قورنت بالدول المتقدمة، أو حتى بالدول

العربية النامية، مثل: مصر والأردن وفلسطين ولبنان.

يتطلع المجتمع العلمي وجمهور الباحثين في اليمن إلى اللحظة التي يرون فيها الإنتاج المعرفي اليمني ظاهراً للعيان، مستوداً بإرادة حكومية وشراكة مجتمعية فاعلة ومساهمة القطاع الخاص، ومؤسسات الاتصال والتكنولوجيا، وشركات الأنظمة الرقمية، وتسهيل الوصول الحر إلى هذا الكنز الثمين والثروة العلمية المنسية، خاصة والبلد بأمس الحاجة إلى توظيف

الحر إلى هذا الكنز الثمين والثروة العلمية المنسية، خاصة والبلد بأمس الحاجة إلى توظيف الإنتاج المعرفي، وحل ما أمكن من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها.

وفي ضوء ما تقدم

وانطلاقا من مسؤوليات ومهام الادارة العامة لدراسات وابحاث التعليم العالي بوزارة التعليم العالي بصنعاء، يأتي هذا الاصدار كنواة لسلسة من الاصدارات اللاحقة، ويحمل هذا الاصدار عنوان

سلسة ملخصات دراسات وأبحاث التعليم العالي في الجمهورية اليمنية – المجلد الأول سبتمبر 2020

وهو حصيلة تحليل مجموعة من الرسائل العلمية المتعلقة بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن، حيث تم تكليف لجنة علمية متخصصة برئاسة الاستاذ الدكتور / محمد عبد الله الصوفي ومجموعة من الخبراء المحليين، وتم تحليل ما يقارب (290) رسالة علمية يمنية عام 2017 برعاية مشروع تعزيز قدرات التعليم العالي وبتمويل المشروع الهولندي آنذاك، ويعد محتوى هذا الإصدار جزء مما تم تحليله بواسطة الخبراء على أمل أن يتم استئناف عملية التحليل لبقة الرسائل على نفس المنوال، ونشر نتائجها وملخصاتها، وتعريف وإفادة المجتمع العلمي والمحلي بحصيلة تلك الدراسات والبحوث وتوظيف المخرجات البحثية في عملية التنمية الشاملة

والمستدامة.

يأتي هذا الجهد المتواضع كبداية لنشر الانتاج العلمي اليمني، وتنمية الثقافة العلمية ويتضمن المجلد الأول سبتمبر 2020 حوالي (246) ملخصا كدفعة أولى، وجميعها ذات ارتباط وثيق بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي بالجمهورية اليمنية، بمحاوره المختلفة كالسياسات التعليمية والهياكل التنظيمية والقيادة والحوكمة والادارة الجامعية، والموارد البشرية والتمويل والجودة والالتحاق والقبول وانظمة التعليم العالي المختلفة، ومنها التعليم المفتوح والتعليم عن بعد والادارة الالكترونية وتكنولوجيا التعليم، والاتصال الاداري والتنمية المهنية وإدارة المعرفة واقتصادها ومجتمعها ونظم وتقنية المعلومات والانتاجية العلمية لأعضاء هيئة التدريس والمسؤولية المجتمعية للجامعات، وغيرها. كما سيتم إصدار ملخصات الدراسات والبحوث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس وللباحثين من مختلف الجامعات والمراكز البحثية وكذا اوراق العمل المنشورة في المؤتمرات والندوات العلمية محليا ودوليا.

تأمل أن يسهم هذا الاصدار في الهام صناع القرار والاقسام العلمية والباحثين إلى بذل المزيد من الاهتمام بالبحث العلمي، وتجنب الموضوعات المبحوثة، وعدم تكرارها أو استنساخها والتحول نحو موضوعات جديدة لم يسبق بحثها من قبل، وتطوير المعرفة وتطبيقها ونشرها وتوثيقها بشكل علمي ومنهجي، وتجسير العلاقة بين المؤسسات البحثية والانتاجية، وتحسين

الحياة العامة وتحقيق الرفاة للمجتمع.

كل الشكر وعظيم الامتنان لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل واخراجه إلى النور

مؤسسات و افراد، وفي مقدمتهم قيادة الوزارة ممثلة بمعالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ/ حسين حازب، وكذا الاستاذ الدكتور على شرف الدين نائب وزير التعليم العالي والاستاذ الدكتور صادق الشراجي وكيل قطاع البحث العلمي والاستاذ الدكتور عبد الكريم الروضي وكيل قطاع البعثات والاستاذ الدكتور عبدالله القدمي وكيل قطاع التخطيط والتطوير والاستاذ الدكتور غالب القانص وكيل قطاع الشؤون التعليمية والشكر موصول للأستاذ الدكتور عبدالله الشامي – نائب وزير التعليم العالي السابق وللأستاذ الدكتور عبد العزيز الشعيبي – وكيل قطاع التخطيط السابق، وللأخ العزيز الدكتور علي العواضي مدير عام البحث العلمي بالوزارة، والأخ الأستاذ / محمود الصلوي مدير عام مكتب الوزير، وللأستاذ الدكتور فؤاد عبد الرزاق المدير التنفيذي لمركز تقنية معلومات التعليم العالي وللخبراء المحليين وللأستاذ فؤاد الحداء المدير العام السابق لإدارة المشاريع، وللدكتور سلطان قاسم مدير عام الدراسات السابق، وللدكتور أنور معرب مدير عام البحث العلمي السابق، ولكافة موظفي قطاع البحث العلمي وبقية القطاعات بالوزارة أكاديميين وإداريين)، وللمركز الوطني للمعلومات وللقائمين على المكتبات الجامعية وللباحثين والمبتعثين، ولكل من تعاون معنا من داخل الوزارة وخارجها كلا باسمه وصفته، فلهم جميعا خالص الشكر وعظيم الامتنان، ومن الله نستمد العون والتوفيق والسداد. ولوطننا

الحبيب الأمن والسلام والعزة والازدهار والتنمية والرخاء.

بقلم المحرر العلمي خليل الخطيب

د أستاذ إدارة التعليم العالي المساعد – جامعة صنعاء.

مدير عام دراسات وأبحاث التعليم العالي

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

لتحميل نسخة من الكتاب

أضغط هنا

اكتب تعليقًا